" إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ "
كان الناس في هرج ومرج وعماية وضلال . .
يقتل بعضهم بعضاً . .
يقطعون الطريق . .
ويأتون المنكرات . .
يقطّعون الأرحام . .
ويستبيحون الدّماء . .
وفي جبروت وطغيان يدفنون بناتهم أحياء مخافة المذلّة والعار !!
حتى أهلكتهم السّنون . .
ودمّرتهم الحروب !!
وشتتهم الأحقاد والأضغان . .!!
وأقلقتهم هواجس الجنّ والأرواح الخبيثة !!
فلا قرّة لهم عين . .
ولا اطمأنت لهم روح !!
بكورهم شقاء . .
ورواحهم عناء . .
كأنماخرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق . .!!
حتى أشرقت شمس النبوّة . .
وشعّ نور الرسالة . .
وأبرق سناها وضياها . .
ببعثة الرحمة المهداة . .
والنور الذي لا ينطفئ . .
والهدى الذي لا يحيد . .
محمد بن عبد الله . .
( خيار من خيار من خيار ) صلى الله عليه وعلى آل بيته وصحبه الأطهار !!
ارتجّت مكة بالحبور . .
وتفجّرت من حراء ينابيع النور . . .
حتى بلغت العالمين رسالة . .
لا إله إلاالله محمد رسول الله . .
فأقبل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً . .
يلتمسون الضياء . . من سنا نوره
ويستقون من نبع فيضه وهداه . .
رحمة للعالمين . .
يحنّ إليه الطير في وكناته !!
والسبع في غاباته . .
والجماد من رطبه ونباته . .
يدخل عليه أحد اصحابه . .
في لوعة واشتياق . .
يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وأني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك. !!يا لله . .
ايها المحب . .
تعال . . قف هنا واسمع ترتيل حراء
( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) . .
واسمع نشيج الغار وهو يتلو . .
(لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) !!
لا تحزن . .
( إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ ) !!
" ألا ترون كيف يصرف الله عنّي شتم قريش ولعنهم ، يشتمون مذمماً ويلعنون مذمماً وأنا محمد " !!
يذكر أحمد شاكر رحمه الله : أن خطيباً مفوّها فصيحاً متحذلقاً أراد أن يمدح أمراء مصر عندما أكرم التعيس - طه حسين - فقال في خطبته : ( جاءه الأعمى - يعني طه حين - فما عبس ولا تولّى ) !!
حينها قام أسد من أسود الملّة الحنيفية - محمد شاكر والد أحمد شاكر - وأعلن للناس أن صلاتهم باطلة وعليهم إعادتها لأن الخطيب كفر بما شتم الرسول صلىالله عليه وسلم !!
يقول أحمد شاكر : ( ولكن الله لم يدع لهذاالمجرم جرمه في الدنيا قبل أن يجزيه جزاءه في الآخرة ، فأقسم بالله لقد رأيته بعينيّ رأسي بعد بضع سنين وبعد أن كان عالياً متنفحاً مستعزّاً بمن لاذ بهم من العظماء والكبراء ، رأيته مهيناً ذليلاً خادماً على باب مسجد من مساجد القاهرة يتلقّى نعال المصلين يحفظها في ذلة وصغار حتى لقد خجلت أن يراني وأنا أعرفه وهو يعرفني .. لا شفقة عليه فما كان موضعا للشفقة !!
ولا شماتة فيه فالرجل يسمو علىالشماتة ، ولكن لما رأيت من عبرة وعظة ) كلمة الحق ص : 176 - 177
لا تحزن . .
فـ ( اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. . )
ينام تحت ظل شجرة فيخترط عليه أعرابي السيف وهو يقول . .
يا محمد . . من يمنعك منّي ؟!
فيقول الشجاع في ثبات . . " الله " !!
ما هي إلاّ أن تتامّت حروفها . .
حتى خرّ الأعرابي وخار !!
ولأنه صلىالله عليه وسلم أرسل رحمة للعالمين . .
يعرض عنه في عفو وصفح !!
لا تحزن . .
( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) الأقطع . . الأخسر !!
يُبتر ذكره وأهله وماله . .
وتبتر حياته فلا ينتفع بها في هدى !!
ويبتر قلبه . . فلا يُهدى إلى الخير ولا إلى معرفته ومحبته . .
ويُبتر عمله فلا يوفّق إلى عمل صالح . .
ويُبتر ظهيره ونصيره . . فلا يجدون لهم من دون الله أنصاراً . .
خبّروني عن حثالة ( الرّسامين ) منهم ؟!
ما تاريخهم . . ؟!
ما أهلهم وولدهم ؟!
لا تحزن . .
( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ . ) !!
" من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله "
فقام محمد بن مسلمة فقال : أنا يا رسول الله ، أتحب أن أقتله ؟!
قال : " نعم "
قال : فأذن لي أن أقول شيئا !!
قال : " نعم قل "
فأتاه فقال : إن هذا الرجل قد سألنا الصدقة وقد عنانا !!
قال : وأيضا لتملنه !
قال : اتبعناه فنحن نكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره وقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين!!
قال كعب : أي شيء ترهنوني ؟!
قال : وما تريد منا ؟
قال : نساءكم !!
قالوا : سبحان الله أنت أجمل العرب نرهنك نساءنا فيكون ذلك عارا علينا ؟!
قال : فترهنوني أولادكم ؟
قالوا : سبحان الله يسب بن أحدنا فيقال رهنت بوسق أو وسقين !! قالوا نرهنك اللامة يريد السلاح .
قال : نعم !! فلما أتاه ناداه فخرج إليه وهو متطيب ينضح رأسه فلما أن جلس إليه وقد كان جاء معه بنفر ثلاثة أو أربعة فذكروا له قال : عندي فلانة وهى أعطر نساء الناس ، قال : تأذن لي فأشم ؟!
قال : نعم . . .
فأدخل يده في رأسه فشمه قال أعود قال نعم فأدخل يده في رأسه فلما استمكن منه ؛ قال : دونكم فضربوه حتى قتلوه "
فدونكم حثالة قد آذواالله ورسوله !!
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى : : : حتى يُراق على جوانبه الدمُ !!
" أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ " !!
بلى والله كافيه . .
بلى والله
بلى والله . . .
إن قوماً اشتاق إليهم حبيبهم صلى الله عليه وسلم يوم وقف على قبور أهل البقيع يسلم عليهم فيستعبر شوقاً ويفيض وجدانه بكلمات صادقة . . " وددت أنا قد رأينا إخواننا "
قالوا: أولسنا إخوانك !!
قال : " بل أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد . . "
إن قوماً أتوا من بعده لا يستحقون شرف هذاالشوق ما لم يذودوا عن حياضه وعرضه ودينه . .
سيطردون عنه كما تطرد البعير . .
" ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم ألا هلم فيقال إنهم قد بدلوا بعدك فأقول سحقا فسحقا فسحقا " !!
فسحقاً وتبّاً لمن لم ينبض قلبه غيرة على رسوله محمد صلىالله عليه وسلم . .
وبُعداً ثم بعداً لمن يحرّك قلما ولا أجرى دمعاً ولا انتفض منتقماً لرسوله صلى الله عليه وسلم . . .
وكم والله يضيق الصّدر . .
يوم ترى من بني قومنا من يثبّط أو يوهن العزائم من نصرة النبي المختار !!
لا يقاطع . .
ولا يقارع . .
قابع . .
ضائع . .
صائع . .
ينعق بما لا يعقل .. ( لا تفتون وعلى أولي الأمر تفتئتون ) !!
أشغلته نفسه بهواها . .
ونفسه بجهله أرداها . .
والله . .
" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من نفسه وماله وولده " !!
" وحتى يكون هواه تبعاً لما جئت به "
فأين أصحاب ( الهوى ) . .
الذين ضجّت أصواتهم بـ :
( أين البديل ) عن البقرات الثلاث ؟!
فاين هواهم عن هداه ؟!
أشغلهم ( دلال الأبقار )
عن جلال المختار !!
فسحقاً لهم ولما يجمعون . .
وتباً لهم ولما يمكرون . .
و( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) ؟!
( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) !!